من دمشق .. صور وكلام .. ونزار
هي دمشق .. وكفى .. لا أستطيع أن
أكتب عن دمشق، دون أن يعرّش الياسمين على أصابعي.. ولا أستطيع أن أنطق
اسمها، دون أن يكتظّ فمي بعصير المشمش، والرمان، والتوت، والسفرجل.. ولا
أستطيع أن أتذكرها، دون أن تحط على جدار ذاكرتي ألف حمامة.. وتطير ألف
حمامة..
دمشق.. مدينة الأحلام .. ليل دمشق .. فلّ دمشق ..
دورُ دمشق..
تسكن في خواطرنا..
مآذنها.. تضيء على مراكبنا..
كأنّ مآذن الأمويّ قد زرعت بداخلنا..
كأن مشاتل التفاح تعبقُ في ضمائرنا..
كأن الضوء والأحجار.. جاءت كلّها معنا..
كلّ ما فيها سحرٌ .. ماؤها، نساؤها، رجالها..شوارعها، مبانيها .. حدائقها، أشجارها .. دمشق.. دمشق..
ياشعراً..
على حدقات أعيننا كتبناه..
ويا طفلاً جميلاً
من ضفائره صلبناه
جثونا عند ركبته
وذبنا في محبته
إلى أن في محبتنا .. قتلناه
أنا مسكون بدمشق، حتى حين لا أسكنها..
أولياؤها، مدفونون في داخلي..
حاراتها تتقاطع فوق جسدي..
قططها، تعشق.. وتتزوّج.. وتترك أطفالها عندي..
دمشق ليست صورة منقولة عن الجنة
إنها الجنة..
وليست نسخة ثانية للقصيدة
إنها القصيدة..
وليست سيفاً أموياً على جدار العروبة
إنها العروبة..
أنا خاتم من صياغة دمشق..
نسيجٌ لغوي من حياكة أنوالها..
صوت شعري خرج من حنجرتها..
رسالة حب مكتوبة بخط يدها..
سحابة من القرفة واليانسون.. تتجول في أسواقها..
شجرة فلّ تركتها أمّي على نافذتي،
ولا تزال تطلع أقمارها البيضاء.. كل عام
ومن بين أزقتها القديمة وحاراتها..لا يسعك إلا الوقوف والتأمل .. والسجود لعظمة مدينة الزمان..مدينة التاريخ .. شآم..زراعة القلب تشفي بعض من عشقو
وما لقلبي - إذا أحببت - جرّاحُ
الا تزال بخير دار فاطمة
فالنهد مستنفرٌ.. والكحل صدّاحُ
إن النبيذ هنا.. نارٌ معطّرة
فهل عيونُ نساء الشام، أقداحُ؟
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني
وللمآذن كالأشجار أرواحُ
للياسمين حقوق في منازلنا
وقطة البيت تغفو حيث ترتاحُ
طاحونة البن جزء من طفولتنا
فكيفَ ننسى؟ وعطر الهال فواحُ
هنا جذوري.. هنا قلبي.. هنا لغتي
فكيفَ أوضح؟ هل في العشق إيضاحُ؟