يا حواء.. بالله لا تبخلي عليه
صيحة أخرى وزفرة جديدة تخرج من قلب يؤرقه ويؤلمه ما يرى من أحوال أسر كثيرة..
يرنو لكمال سموها، وتمام التراحم والمودة في ظلالها.
فاليوم نصيبك أنت يا حواء من تحمل الصيحة وإن ثقلت كلماتها، وتقبل النصيحة،
وإن كشفت عن حقائق نخشى مواجهتها.
إياكِ أن تبخلي عليه.. قلبك به كنز ذاخر.. لم تتعبي في جَنْيِه، ولم تبذلي أدنى جهد في تحصيله، أودعه الله رصيداً هائلاً من العواطف، وكمًّا عظيماً من الأحاسيس الجياشة
لم يهبك هذا القلب الرقيق والكنز المتدفق لتحبسيه ولا لتبخلي به،
ولكن لتنشري الحب والحنان على من حولك ممن لهم حق أكيد في هذه العواطف..
ومن أولى بهذا الحق منه؟
ذلك الذي تعب وكدَّ حتى نال رضاك..
ذلك الذي عمل طويلاً كي ينعم بالقرب منك
وتكلف ماديًّا ومعنويًّا ومنع نفسه عن الحرام السهل الذي تناثر أمامه كثيرًا
حتى يصل إليك،
وصبر على فتن أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنها كقطع الليل المظلم
وأن الحليم يبدو فيها حيران،
وما زال يكدح ويصارع الحياة القاسية؛ لينعم معك بالمودة والرحمة والحب.
أنت حلم زوجك منذ الطفولة، نسج صورتك في خياله
ونقشها في قلبه منذ عرف للحياة طعمًا،
وكان صداقك عنده غض البصر، وكانت هديته إليك حفظ الفرج..
فكيف به بعد الصبر الطويل والعناء الشديد يفتح كنزه فيجده بخيلاً عليه؟
الكنز الرباني لديك قادر على تحويل البيت إلى جنة طوال الوقت..
صدقيني واسمعي رصيد أخريات..
تقول إحداهن في واحدة من لحظات الصراحة والصدق مع النفس:
حينما أكون سعيدة أحيل البيت إلى مسرحية فكاهية خفيفة الظل دومًا
مهما كان زوجي حزيناً أو غاضبًا،
وحينما أكون حزينة أو غاضبة فإني قادرة على إحالة البيت جحيمًا لا يطاق!!
مهما كانت رغبته في إرضائي!!
بالله عليك.. ولِمَ تجعلينه جحيماً إذن؟!!
تعلمي جيداً – أختي الكريمة – أن الرجل طفل كبير،
وهذه قاعدة مطردة في كل الأزواج يفرح جدًّا بكلمة رقيقة
وتلتمع عيناه بالدموع من هدية بسيطة.
وتعلمي كذلك أن في داخل كل رجل طاقة رومانسية عاطفية
مخبوءة تحت ستار الجدية أحياناً..
وتحت تصور خاطئ للرجولة أحياناً،
وفي أكثر الأحيان تحت إرهاق العمل والأزمات المادية.
لماذا لا تخرجين كنزه من قلبه، وتنفضي عنه الغبار ببعض أسرار كنزك؟
ويتبادر إلى الذهن سؤال:
ولماذا على الزوجة دومًا أن تمتص غضبه وتداهنه حتى يرضى، وتظل تسترضيه؟!!
اطرحي على نفسك سؤالاً وأجيبي عليه بصدق مع النفس:
أليس تعبه وإرهاقه وكدّه أكثر منك؟
رغم أنك قد تكونين من النساء العاملات؟!
ليت كدَّه كان في العمل فحسب
ولكن مسئولية: بيت.. وزوجة.. وأولاد أمر كبير،
قيادة دفة سفينة ليس بالعمل الهيِّن،
وإذا كان الزوج مكلفًا بالحفاظ على مستقبل أسرته في الدنيا،
فإن الزوج المتدين يضاف إليه عبء الحفاظ على مستقبلها في الآخرة؛
فهو يريد جمع أسرته جميعًا في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
ألم يكلفه الشارع بذلك:
"قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا"،
" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: الأب راع ومسئول عن رعيته "
… فاجتهاداته ومشاكله أكثر..
فما أجمل أن يجد البيت حين يرجع وردة ندية،
وبسمة صافية،
وهدوءاً محببًا،
وحرارة حب،
وصفاء لقاء.
أنت واحته التي يأوي إليها من هجير صحراء موحشة..
مهما كان ضيقه وعبوسه وانشغالاته،
أنت المسئولة الأولى عن تشجير البيت بشجر المودة،
وغرس بذور الوئام.
والله كلفك بهذا حين أعطاك الكنز الذي لم يعطه للرجل
كي تفيضي أوراق ورد وتغريد بلابل..
تعلَّمي من أمك "عائشة" - رضي الله عنها
التي لا تنسى أن تغمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمشاعرها حين يسألها:
ألك حاجة إني أريد أن أقوم الليل فلا تفوّت الفرصة وتقول له:
والله إني أحب قربك وأحب ما تحب،
فافعل ما ترضى
وانظري إلى أثر ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم)
كان يشعرها دائمًا بالقرب حين يقرأ القرآن وهو في حجرها حتى وهي حائض..
نتيجة طبيعية لإقبالها عليه.. لا ينآى أو يبعد.
وتعلمي من زوجة عاقلة غضب منها زوجها غضباً شديداً
فانتوى أن يعنفها ويشتد عليها..
فأول ما فاتحها قالت له:
أريد منك أن تسمعني أولاً…
لا أريد إلا أن أقول: "لك العتبى حتى ترضى … لُمْنِي كما شئت فأنا المخطئة"
واسمعي الزوج وهو يقول:
ما تمالكت نفسي وكادت عيناي تفيض من حسن ذكائها،
واعترافها بخطئها، وضعفها أمامي في هذه اللحظة!!
وخطب أحد السلف زوجة فقال لها قبل العقد:
والله إني لبطيء الفيئة، سريع الغضبة
فهل تقبلينني على ذلك؟
فقالت له بودٍّ: أسوأ منك من اضطرك للغضب..
أي أنها تُعِدُّه ألا يغضب منها أبدًا..
يقول بعد ذلك: مكثت معي عشر سنين لم أغضب منها قط.
خلاصة الأمر
أنك - بما منحك الله - المسئولة الأولى عن ضبط النظام العاطفي في البيت..
تعملين على ارتفاع مؤشره واستقرار سبيله.
فلا تشتكي يومًا من أنه لم يمكث في المنزل
أو أنه يظل عابسًا طوال الوقت،
أو أنه لا يتنزه معك..
ولكن لومي نفسك دائمًا؛
لأنك لم تعدي برنامجًا لذلك،
ولم تبتكري وسائل، ولم تأخذي خبرات الأخريات،
ولم تفاجئيه كل يوم بمفاجأة جديدة أو اختلاق مناسبة سعيدة..
لأن الله أعطاك ما لم يعطه له..
عطاك نهرًا من المشاعر والعواطف والحب..
وهو إنما اغترف منه غرفة بيده فقط.