واصطحب شيخ وحدث من الأعراب في سفر، وكان لهما قرص في كل يوم، وكان الشيخ مخلع الأضراس، وكان الحدث يبطش بالقرص ثم يقعد يشكو العشق، والشيخ يتضور جوعا، وكان يسمى جعفرا، فقال الشيخ فيه:
لقد رابني من جعفر أن جعفرا ... يطيش بقرصي ثم يبكي على جمل
فقلت له لو مسك الحب لم تبت ... بطينا ونساك الهوى شدة الأكل
الأصمعي قال: تقول العرب في الرجل الأكول: إنه برم قرون.
البرم: الذي يأكل مع الجماعة ولا يجعل شيئا. والقرون: الذي يأكل تمرتين تمرتين ويأكل أصحابه تمرة تمرة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن.
وكان عبد الله بن الزبير إذا قدم التمر إلى أصحابه قال عبد الله بن عمر: إياكم والقران، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
وقيل لبسرة الأحول: كم تأكل كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال غيري؟ قيل له: من مالك. قال: مكوكا. قيل: فمن مال غيرك، قال: اخبزوا واطرحوا.
وقال رجل من أهل العراق في قينة حفص الكاتب:
قينة حفص ويلها ... فيها خصال عشره
أولها أن لها ... وجها قبيح المنظره
ودارها في وهدة ... أوسع منها القنطره
تأكل في مقعدها ... ثورا وتخرى بقره
قال تأبط شرا: ما أحببت شيئا قط حبي ثلاثة: أكل اللحم، وركوب اللحم، وحك اللحم باللحم.
وقال أبو اليقظان: كان هلال بن الأسعر التميمي أكولا، فيزعمون أنه أكل جملا، وأكلت امرأته فصيلا، فلما أراد أن يجامعها لم يصل إليها، فقالت له: وكيف تصل إلي وبيني وبينك بعيران.
وكان الواثق واسمه هارون بن محمد بن هارون أكولا، وكان مفتونا بحب الباذنجان، وكان يأكل في أكلة واحدة أربعين باذنجانة، فأوصى إليه أبوه - وكان ولي عهده - ويلك متى رأيت خليفة أعمى؟ فقال للرسول: أعلم أمير المؤمنين أني تصدقت بعيني جميعا على الباذنجان.
وكان سليمان بن عبد الملك من الأكلة، حدث العتبي عن أبيه عن المشردل وكيل عمرو بن العاص قال: لما قدم سليمان الطائف دخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب وابنه بستانا لعمرو بن العاص فجال فيه ساعة، ثم قال: ناهيكم بمالكم هذا مالا، ثم ألقى صدره على غصن، وقال: ويلك يا شمردل ما عندك شيء تطعمني؟ قال: بلى إن عندي جديا كانت تغدو عليه بقرة وتروح عليه أخرى. قال: عجل به. قال: فأتيته به كأنه عكة سمن، فأكله وما دعا عمر ولا ابنه، حتى إذا بقي الفخذ قال: هلم أبا حفص. قال: إني صائم. فأتى عليه، ثم قال: ويلك يا شمردل، ما عندك شيء تطعمني؟ قال: بلى والله عندي خمس دجاجات هنديات كأنهن رثلان النعام. قال: فأتيت بهن فكان يأخذ برجلي الدجاجة فيلقي عظامها نقية حتى أتى عليهن، ثم قال: يا شمردل، ما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى والله، إن عندي حريرة كأنها قراضة الذهب. فقال: عجل بها. فأتيته بعس يغيب فيه الرأس، فجعل يلاطمها بيديه ويشرب، فلما فرغ تجشأ فكأنما صاح في جب، ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائي؟ قال: نعم. قال: وما هو؟ قال: ثمانون قدرا، قال: ائتني بها قدرا قدرا، قال: فأكثر ما أكل من كل قدر ثلاث لقم، وأقل ما أكل لقمة، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، ثم أذن للناس ووضعت المائدة وقعد فأكل مع الناس، فما أنكرت من أكله شيئا.
وقال الأصمعي: كنت يوما عند هارون الرشيد، فقدمت إليه فالوذجة، فقال: يا أصمعي. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: حدثني بحديث مزرد أخي الشماخ. قلت: نعم يا أمير المؤمنين، إن مزردا كان رجلا جشعا نهما، وكانت أمه تؤثر عيالها بالزاد عليه، وكان ذلك مما يضريه ويحفظه، فذهبت يوما في بعض حقوق أهلها وخلفت مزردا في بيتها ورحلها، فدخل الخيمة فأخذ صاعين من دقيق، وصاعا من عجوة، وصاعا من سمن، فضرب بعضه ببعض فأكله، ثم أنشأ يقول:
ولما مضت أمي تزور عيالها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع
خلطت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريع
ودبلت أمثال الأثافي كأنها ... رؤوس رخال قطعت لا تجمع
وقلت لبطني أبشري اليوم إنه ... حمى أمنا مما تفيد وتجمع
فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع
(3/5)
قال: فاستضحك هارون حتى أمسك على بطنه واستلقى على ظهره، ثم قعد فمد يده، وقال: خذ، فذا يوم تشبع يا أصمعي.
وقال حميد الأرقط، وهو الذي يقال له: " هجاء الأضياف " ، يصف أكل الضيف:
تجهز كفاه ويحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمت عليه الأنامل
أتانا وما ساواه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل
فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل
وقال:
لا أبغض الضيف ما بي جل مأكله ... إلا تنفجه حولي إذا قعد
ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعل الضيف قد ولدا
وقال:
لا مرحبا بوجوه القوم إذ نزلوا ... دسم العمائم تحكيها الشياطين
ألقيت جلتنا الشهريز بينهم ... كأن أظفارهم فيها سكاكين
فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى يلقى المساكين
أبو الحسن المدائني قال: أقبل نصراني إلى سليمان بن عبد الملك، وهو بدابق، بسلين، أحدهما مملوء بيضا، والآخر مملوء تينا، فقال: اقشروا، فجعل يأكل بيضة وتينة حتى فرغ من السلين، ثم أتوه بقصعة مملوءة مخا بسكر فأكله، فأتخم ومرض فمات.
والأكلة كلهم يعيبون الحمية، ويقولون: الحمية إحدى العلتين.
وقالوا: من احتمى فهو على يقين من المكروه، وفي شك من العافية.
وقالوا: الحمية للصحيح ضارة، وللعليل نافعة.
الحمية وقولهم فيها
قيل لبقراط: مالك تقل الأكل جدا؟ قال: إني إنما آكل لأحيا، وغيري يحيا ليأكل.
وأجمعت الأطباء على أن رأس الداء كله إدخال الطعام على الطعام، وقالوا: احذروا إدخال اللحم على اللحم، فإنه ربما قتل السباع في القفر. وأكثر العلل كلها إنما يتولد من فضول الطعام.
والحمية مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى صهيبا يأكل تمرا وبه رمد، فقال: " أتأكل تمرا وأنت أرمد؟ " .
ودخل على علي رضي اللهعنه، وهو عليل وبيده عنقود عنب، فنزعه من يده.
وقال عليه الصلاة والسلام: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم " .
وقيل للحارث بن كلدة طبيب العرب: ما أفضل الدواء؟ قال: الأزم. يريد قلة الأكل. ومنه قيل للمجاعة: الأزمة، وللكثير أزمات.
وقيل لآخر: ما أفضل الدواء؟ قال: أن ترفع يدك عن الطعام وأنت تشتهيه.
أبو الأشهب عن أبي الحسن قال: قيل للمنذر بن جندب: إن ابنك أكل طعاما كظله حتى كاد يقتله. قال: لو مات ما صليت عليه.
ودعا عبد الملك بن مروان رجلا إلى الغداء، فقال: ما في فضل يا أمير المؤمنين. قال: لا خير في الرجل يأكل حتى لا يكون فيه فضل.
وقال الأحنف بن قيس: جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون وصافا لبطنه وفرجه.
وقيل لبعض الحكماء: أي الأدواء أطيب؟ قال: الجوع ما ألقيت إليه من شيء قبله.
وقال رجل من أهل الشام، لرجل من أهل المدينة: عجبت منكم، أن فقهاءكم أظرف من فقهائنا، ومجانينكم أظرف من مجانيننا، قال: أوتدري من أين ذلك؟ قال: لا أدري. قال: من الجوع، ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لما خلا جوفه.
وقال الجاحظ: كان أبو عثمان الثوري يجلس ابنه معه يوم الرأس، وكان له يوم معروف يأكل فيه رأسا لا محالة، وكان يجلس ابنه معه: ويقول: إياك يا بني ونهم الصبيان، وأخلاق النوائح، ونهش الأعراب، وكل مما يليك، واعلم أنه إذا كان في الطعام لقمة كريمة، أو مضغة شهية، أو شيء مستطرف، فإنما ذلك للشيخ المعظم، أو للصبي المدلل، ولست بواحد منهما. وقد قالوا: مدمن اللحم كمدن الخمر. أي بني، عود نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال، فإن الله جعلك إنسانا، فلا تجعل نفسك بهيمة. واحذر صرعة الكظة، وسرف البطنة، فقد قال بعض الحكماء: إذا كنت نهما فعد نفسك من الزمنى، واعلم أن الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، وأن السقم داعية الموت، ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة لأنه قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره.
أي بني، والله ما أدى الركوع والسجود ذو كظة، ولا خشع لله ذو بطنة، والصوم مصحة، والوجبات عيش الصالحين.
(3/6)
أي بني؛ لأمر ما طالت أعمار أهل الهند، وصحت أبدان العرب، ولله در الحارث بن كلدة، إذ زعم أن الدواء هو الأزم، فالداء كله من فضول الطعام، فكيف لا ترغب في شيء يجمع لك صحة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح الدين والدنيا، والقرب من عيش الملائكة؟ أي بني، لم صار الضب أطول عمرا، إلا لأنه يتبلغ بالنسيم؟ ولم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن الصوم وجاء؟ إلا لأنه جعله حجازا دون الشهوات؟ فافهم تأديب الله عز وجل، وتأديب رسوله عليه الصلاة والسلام.
أي بني، قد بلغت تسعين عاما ما نقص لي سن، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول، ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد. فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت فلا أبعد الله غيرك.
سياسة الأبدان بما يصلحها
قال الحجاج بن يوسف للباذون طبيبه: صف لي صفة آخذ بها نفسي ولا أعدوها. قال له: لا تتزوج من النساء إلا شابة، ولا تأكل اللحم إلا فتيا، ولا تأكله حتى تنعم طبخه، ولا تشرب دواء إلا من علة، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعاما إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام، واشرب عليه، فإذا شربت فلا تأكل، ولا تحبس الغائظ ولا البول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام ولو مائة خطوة.
قيل ليهود خيبر: بم صححتم على وباء خيبر؟ قالوا: بأكل الثوم، وشرب الخمر، وسكنى اليفاع، وتجنب بطون الأودية، والخروج من خيبر عند طلوع النجم وعند سقوطه.
وقال قيصر لقس بن ساعدة: صف لي مقدار الأطمعة. فقال: الإمساك عن غاية الإكثار، والبقيا على البدن عند الشهوة. قال: فما أفضل الحكمة؟ قال: معرفة الإنسان قدره. قال: فما أفضل العقل؟ قال: وقوف الإنسان عند منتهى علمه.
وسأل عبد الملك بن مروان أبا المفوز: هل أتخمت قط؟ قال: لا. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دققنا، ولا نكظ المعدة ولا نخليها.
وقيل لبزر جمهر: أي وقت فيه الطعام أصلح؟ قال: أما لمن قدر فإذا جاع ولمن لم يقدر فإذ وجد.
وقال: أربع يهدمن العمر، وربما قتلن: الحمام على البطنة، والمجامعة على الامتلاء، وأكل القديد الجاف، وشرب الماء البارد على الريق.
وقال إبراهيم النظام: ثلاثة أشياء تفسد العقل: طول النظر في المرآة، والاستغراق في الضحك، ودوام النظر في البحر.
الأصمعي قال: جمع هارون من الأطباء أربعة: عراقيا، وروميا، وهنديا، ويونانيا، فقال: ليصف لي كل واحد منكم الدواء الذي لا داء معه. فقال العراق: الدواء الذي لاداء معه حب الرشاد الأبيض. وقال الهندي: الإهليلج الأسود. وقال الرومي: الماء الحار، وقال اليوناني - وكان أطبهم - حب الرشاد الأبيض يولد الرطوبة، والماء الحار يرخي المعدة، والإهليلج الأسود يرق المعدة، لكن الدواء الذي لا داء معه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه، وتقوم عنه وأنت تشتهيه.
تدبير الصحة
ثم نذكر بعد هذا من وصف الطعام وحالاته، وما يدخل على الناس من ضروب آفاته، بابا في تدبير الصحة التي لا تقوم الأبدان إلا به، ولا تنمى النفوس إلا عليه.
وقد قال الشافعي: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان.
ولم نجد بدا - إذ كانت جملة هذه المطاعم التي بها نمو الغراسة، وعليها مدار الأغذية تضر في حالة، وتنفع في أخرى - من ذكر ما ينفع منها ومقدار نفعه، وما يضر منها ومبلغ ضره، وأن نحكم على كل ضرب منها بالأغلب عليه من طباعه، وقلما نجد شيئا ينفع في حالة إلا وهو يضر في الأخرى، ألا ترى أن الغيث الذي جعله الله رحمة لخلقه، وحياة لأرضه، قد يكون منه السيول المهلكة، والخراب المجحف؟ وأن الرياح التي سخرها الله مبشرات بين يدي رحمته، قد أهلك باه قوما وانتقم بها من قوم؟ وفي هذا المعنى قال حبيب الطائي:
ولم تر نفعا عند من ليس ضائرا ... ولم تر ضرا عند من ليس ينفع
قال خالد بن صفوان لخادمه: أطعمينا جبنا، فإنه يشهي الطعام، ويهيج المعدة، وهو حمض العرب. قال: ما عندنا منه شيء. فقال: لا عليك، فإنه يقدح الأسنان، ويشد البطن.
(3/7)
ولما كانت أبدان الناس دائمة التحلل، لما فيها من الحرارة الغريزية من داخل، وحرارة الهواء المحيط بها من خارج، احتاجت إلى أن يخلف عليها ما تحلل، واضطرت بذلك إلى الأطعمة والأشربة، وجعلت فيها قوة الشهوة ليعلم بها وقت الحاجة منها إليها، ومقدار ما يتناول منها، والنوع الذي يحتاج إليه، ولأنه لا يخلف الشيء الذي يتحلل ولا يقوم مقامه إلا مثله، وليس تستطيع القوة التي تحيل الطعام والشراب في بدن الإنسان أن تحيل إلا ما شاكل البدن وقاربه. فإذا كان هذا هكذا، فلا بد لمن أراد حفظ الصحة أن يقصد لوجهين: أحدهما أن يدخل على البد الأغذية الموافقة لما يتحلل منه، والآخر أن ينفي عنه ما يتولد فيه من فضول الأغذية.
ما يصلح لكل طبيعة من الأغذية
وينبغي لك أن تعرف اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها، لتعرف بذلك موافقة كل نوع من الأطعمة لكل صنف الناس. وذلك أن الأغذية مختلفة، فمنها معتدلة، كالتي يتولد منها الدم الخالص النقي، ومنها غير معتدلة، كالتي يتولد منها البلغم والمرة الصفراء والسوداء، والرياح الغليظة، ومنها لطيفة، ومنها غليظة، ومنها ما يتولد منه كيموس لزج، وكيموس غير لزج ومنها ما له خاصة منفعة أو مضرة في بعض الأعضاء دون بعض. فقد يجب متى كان المستولي على البدن الدم النقي أن تكون أغذيته قصدا في قدرها، معتدلة في طبائعها. ومتى كان الغالب عليه البلغم، فيجب أن تكون مسخنة أو يغتذي بما يزيد في الحرارة، ويقمع الرطوبة. ومتى كان الغالب عليه المرة السوداء، فينبغي له أن يغتذي بالأغذية الحارة الرطبة. ومتى كان الغالب عليه المرة الصفراء، فيغتذى بالأغذية الباردة الرطبة، ومتى كان البدن مستحصفا عسر التحلل، فينبغي أن يغتذى بأغذية يسيرة لطيفة جافة، ومتى كان متخلخلا فينبغي له أن يتعذى بأغذية لزجة، لكثرة ما يتحلل من البدن.
فهذا التدبير ينبغي أن يلتزم، ما لم يكن في بعض أعضاء البدن ألم، فينبغي أن يستعمل النظر في الأغذية الموافقة للعضو الألم، لأنا ربما اضطررنا إلى استعمال ما يوافق العضو الآلم إن كان مخالفا لسائر البدن، كما أنه لو كانت الكبد باردة ضيقة المجاري، احتجنا إلى استعمال الأغذية اللطيفة، وتجنب الأغذية الغليظة، وإن كان سائر البدن غير محتاج إليها لضعف أو نحافة، لئلا تحدث الطبيعة في الكبد سددا، وربما كانت الكبد حارة فتحذره الأغذية الحلوة، وإن احتاج إليها، لسرعة استحالتها إلى المرة الصفراء. وربما كانت المعدة ضعيفة، فتحتاج إلى ما يقويها من الأغذية، وربما كان يولد الطعام فيها بلغما، فتحتاج إلى ما يقمع الصفراء، وإلى تجنب الأشياء المولد لها. وربما كان الطعام يبقى على رأس المعدة طافيا، فيستعمل الأغذية الغليظة الراسية ليتثقل بثقلها إلى أسفل المعدة، وتأمره بحركة يسيرة بعد الطعام، لينحط الطعام عن رأس المعدة. وربما كان رأس المعدة حارا قابلا للحار فيتجنب الأغذية الحارة، وإن احتاج إليها سائر البدن.
الحركة والنوم مع الطعام
وينبغي ألا يقتصر على ما ذكرنا دون النظر في مقدار الحركة قبل الطعام، والنوع بعده، فمتى كانت الحركة قبل الطعام كثيرة، غذيناه بأغذية كثيرة غليظة لزجة إلى اليبس ما هي، بطيئة التحلل، ولم نأمره بالحمية، لقلة الحاجة إليها. ومتى لم تكن قبل الطعام حركة، أو كانت يسيرة، فينبغي ألا يقتصر على الحمية، بقلة الطعام ولطافته، دون أن يستعين على تخفيف ما يتولد في البدن من الفضول باستفراغ الأدوية المسهلة، وبالحمام، وبإخراج الدم. ومتى كانت الحركة كافية، استعملنا الأغذية المعتدلة في كثرتها، وقد لطافتها وغلظها. ومت كان النوم بعد الطعام كثيرا احتجنا إلى استعمال أغذية كثيرة غزيرة الغذاء، لطول الليل، وكثرة النوم، ومتى كان النوم قليلا احتجنا إلى الطعام القليل الخفيف اللطيف، كالذي يغتذي به في الصيف، لقصر الليل وقلة النوم.
تقدير الطعام وما يقدر منه وما يؤخر
ويجب في الطعام أن يقدر فيه اربعة أنحاء: أولها ملاءمة الطعام لبدن المغتذي به في الوقت الذي يعتذي به فيه، كما ذكرنا آنفا: أنه متى كان الغالب على البدن الحرارة احتاج إلى الأغذية البادرة. ومتى كان الغالب عليه البرد احتاج إلى الأغذية الحارة، ومتى كان معتدلا احتاج إلى الأغذية المعتدلة المشاكلة له.
(3/
والنحو الثاني: تقدير الطعام بأن يكون على مقدار قوة الهضم، لأنه وإن كان في نفسه محمودا وكان ملائما للبدن، وكان أكثر من قد احتمال قوة الهضم، ولم يستحكم هضمه، تولد منه غذاء رديء.
والنحو الثالث: تقديم ما ينبغي أن يقدم من الطعام، وتأخير ما ينبغي أن يؤخر منه، ومثل ذلك أنه ربما جمع الإنسان في أكلة واحدة طعاما يلين البطن، وطعما يحبسه. فإن هو قدم الملين وأتبعه الآخر سهل انحدار الطعام منه، ومتى قدم الطعام الحابس وأتبعه الملين لم ينحدر وفسدا جميعا. وذلك أن الملين حال فيما بينه وبين النزول الطعام الحابس، فبقي في المعدة بعد انهضامه، ففسد به الطعام الآخر. ومتى كان الطعام الملين قبل الحابس انحدر الملين بعد انهضامه، وسهل الطريق لانحدار الحابس. وكذلك أيضا إن جمع أحد في أكلة واحدة طعاما سريع الانهضام وآخر بطيء الانهضام، فينبغي له أن يقدم البطيء الانهضام ويتبعه السريع الانهضام، ليصير البطيء في قعر المعدة؛ لأن قعر المعدة أسخن، وهو أقوى على الهضم، لكثرة ما فيه من أجزاء اللحم المخالطة له، وأعلى المعدة عصبي بارد لطيف ضعيف الهضم. ولذلك إذا طفا الطعام على رأس المعدة لم ينهضم.
والنحو الرابع: أن من يتناول الطعام الثاني بعد انحدار الأول، وقد قدم قبله حركة كافية، وأتبعه بنوم كاف، استمرأه. ومن أخذ وقد بقي في معدته أو أمعائه بقية من الطعام الأول غير منهضمة، فسد الطعام الثاني ببقية الأول.
باب الحركة والنوم مع الطعام
ومن أكل الطعام بعد حركة كافية، وأخذه على حاجة من البدن إليه، وافى الطعام الحرارة الغريزية بمنزلة النار إذا اشتعلت. ومن تناول طعاما من غير حركة وأخذه على غير حاجة من البدن إليه وافى الطعام الحرارة الغريزية خامدة، بمنزلة النار الكامنة في الزناد. ومن اتبع الطعام بنوم بطنت الحرارة الغريزية فيه، فاجتمعت في باطن البطن، فهضمت طعامه. ومن اتبع الطعام بحركة انحدر عن معدته غير منهضم، وابنث في العروق غير مستحكم، فأحدث سددا وعللا في الكبد والكلى وسائر الأعضاء. وربما كانت الأطعمة لضعف المعدة تطفو فيها وتصير في أعلاها، فلا نأمره بالنوم حتى ينحدر الطعام على المعدة بعض الانحدار، حتى يصير في قعر المعدة. وربما أمرنا بحركة يسيرة كما ذكرنا آنفا لانحدار الطعام عن المعدة بعض الانحدار.
وإن أكثر الشراب منع الطعام من الانهضام، لأنه يحول فيما بين جرم المعدة وبين الطعام، وإذا لم تلق المعدة الطعام لم تحله إلى مشاكلة البدن وموافقته، فيبقى فيها غير منهضم، فيجب لذلك على من أخذ الطعام أن يتناول معه من الشراب ما يسكن به جل العطش ويصبر على قدر احتماله من العطش، ويصبر حتى ينهضم، ثم يتناول بعد ذلك من الشراب ما أحب، فإنه عند ذلك يعين على انحدار الطعام وترقيقه، لتنفيذه في المجاري الدقاق. ويجب أيضا أن يكون أخذه للطعام في وقت حركة الشهوة. وذلك أنه إذا تحركت الشهوة ولم يبادر بأخذ الطعام اجتذبت المعدة من فضول البدن ما صار في المعدة أبطل الشهوة، وأفسد الطعام إذا خالطه.
الأوقات التي يصلح فيها الطعام
أجود الأوقات كلها الطعام: الأوقات الباردة، لجمعها الحرارة في باطن البدن، فأما الأوقات الحارة فينبغي أن يتجنب أخذ الطعام فيها، لأن حرارة الهواء تجذب الحرارة الباطنة الغريزية إلى ظاهر البدن ويخلو منها باطنه، فتضعف الحرارة في باطن البدن عن هضمه، فلذلك كانت القدماء تفضل العشاء على الغداء، لما يلحق العشاء من اجتماع الحرارة في باطن البدن، لبرد الليل والنوم، ولأن الحرارة في النوم تبطن وتسخن باطن البدن ويبرد ظاهره، واليقظة على خلاف ذلك، لأن الحرارة تنتشر في ظاهر البدن وتضعف في باطنه.
(3/9)
والذي يحتاج إلى كثرة الغذاء من الناس من كان الغالب على بدنه الحرارة، وكانت كبده لحرارتها سريعة التوليد للمرة الصفراء، فلذلك يحتاج إلى الأطعمة الغليظة البطيئة الانهضام ويستمرئها، ويستمرئ لحم البقر، ولا يستمرئ لحم الدجاج وما أشبهه من الأطعمة الخفيفة. ولا يصلح شيء من هذه إلا في وقت تحرك الشهوة، فإنه أفضل وقت يؤخذ فيه الطعام. وللعادة في هذا حظ عظيم، ألا ترى أنه من اعتاد الغداء فتركه واقتصر على العشاء عظم ضرر ذلك عليه، ومن كانت عادته أكلة واحدة فجعلها أكلتين لم يستمرئ طعامه؟ ومن كانت عادته أن يجعل طعامه في وقت من الأوقات، فنقله إلى غير ذلك الوقت أضر ذلك به، وإن كان قد نقله إلى وقت محمود. فيجب لذلك أن يتبع العادة إذا تقادمت فطالت، وإن كانت ليست بصواب، إذا لم يحدث شيء اضطره إلى نقلها، لأن العادة طبيعة ثانية، كما ذكر الحكيم أبقراط. فإن حدث شيء يدعوه إلى الانتقال عنها فأوفق الأمور في ذلك أن ينتقل عنها قليلا قليلا. وللشهوة أيضا في استمراء الطعام أعظم الحظ، لأنها دليل على الموافقة والملاءمة، فمتى كان طعامان مستويان في الجودة، وكانت شهوة المحتاج إليهما أميل إلى أردئهما، اخترناه على الأجود، إذا لم نخف منه ضررا أكثر مما ينال منه من المنفعة، لحسن قبول المعدة له واستمرائها إياه.
فقد بان أنه يحتاج في حسن استعمال الأغذية وجودة تخير الأطعمة إلى معرفة اختلاف الطبائع وحالاتها.
فقد بينت اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها، وما يجب على كل واحد منها من أنواع الأطعمة والأشربة. وبقي أن نبقي اختلاف قوى الأطعمة والأشربة، وأن أصف أنواع الأغذية، وأسمي ما في كل صنف منها، إن شاء الله تعالى.
أنواع الأطعمة
الأطعمة اللطيفة
هي التي يتولد منها دم لطيف. فمنها لباب خبز الحنطة، والحب المقشور، ولحم الفراريج، ولحم الدراج والطيهوج، والحجل، وأجنحة جميع الطيور، وما لان لحمه من صغار السمك ولم تكن فيه لزوجة، والقرع، والماش، وما أشبهه. وهذا الجنس من الأطعمة نافع لمن ليست له حركة، وكانت الحرارة الغريزية في بدنه ضعيفة، ولم يأمن أن يتولد في بدنه كيموس غليظ، ويتولد في كبده أو طحاله سدد، أو في كلاه، أو في صدره، أو في دماغه، أو في شيء من مفاصله من البلغم.
الأطعمة اللطيفة في نفسها الملطفة لغيرها
هي التي يكون ما يتولد منها لطيفا، وتلطف ما تلقاه من الكيموس اللزج الغليظ في البدن.
وهذا الجنس من الأطعمة أربعة أصناف: صنف منها حلو لطيف، لما فيه من قوة الجلاء، مثل ماء الشعير، والبطيخ، والتين اليابس، والجوز، والقسطل، والعسل، ما يعمل منه من الناطف. وهذا الجنس في منفعته من جنس الأول من الأطعمة اللطيفة، إلا أنه أبلغ في تلطيف البدن.
والصنف الثاني حار حريف: كالحرف، والثوم، والكراث، والكرفس، والكرنب والجرجير، والصعتر، والنعنع، والرازيانج، والشراب الأصفر اللطيف العتيق الحار.
وهذا كله نافع لمن احتاج إلى فتح السدد التي في الكبد والطحال والصدر والدماغ، وتقطيع البلغم وترقيقه. ولا ينبغي لأحد أن يكثر استعماله لأنه يرقق الدم أولا ويصيره مائيا، فيقل لذلك غذاء البدن. ويضعف ثم إنه يسخن البدن سخونة مفطرة، فيصير أكثره مرة صفراء، ثم إنه بعد ذلك إذا تمادى مستعمله في استعماله حلل لطيف الدم وترك غليظه، فصار أكثر مرة سوداء، وربما تولد من ذلك حجارة في الكلى. ومضرة هذا الصنف أشد ما تكون على من كانت المرة الصفراء غالبة عليه.
والصنف الثالث: يذيب ويلطف بملوحته، كالمري، وما لان لحمه وقل شحمه من السمك إذا ملح، والسلق، وماء الجبن، وكل ما جعل فيه من الأطعمة الملح والمري والبورق. ومنافع هذا النصف ومضاره قريبة من منافع الأشياء الحريفة ومضارها، إلا أن هذا الصنف في تنقية المعدة والأمعاء وتليين الطبيعة أبلغ.
والصنف الرابع: يقطع ويلطف بحموضته، كالخل، والسكنجبين، وحماض الأترج، وماء الرمان الحامض، وكل ما يتخذ بها من الأطعمة. وهذا الصنف نافع لمن كان معدته وسائر بدنه حارا إذا تولد فيها البلغم من غلظ ما يتناول من الأغذية ومن كثرتها.
الأطعمة الغليظة في نفسها الملطفة لغيرها
(3/10)
منها البصل، والجزر، والفجل، والسلجم، وما أشبه ذلك. فهذه الأطعمة في نفسها غليظة وتلطف ما تلقى من الشيء الغليظ، بما فيها من الحدة والحرافة، وهي تولد كيموسا غليظا. ومتى ما طبخ شيء منها أو شوي ذهب عنه قوة الحرافة والتقطيع، وبقي جرمه غليظا رديئا، وقد يتناول للمنفعة بتقطيع هذه الأطعمة وتلطيفها، ويسلم من غلظ جرمها على إحدى ثلاث جهات: إما أن تطبخ فتلطف، كالذي يفعل بالبصل، وإما أن تعصر أو تطبخ ثم يستعمل ماؤها، وإما أن تؤكل نيئة فتقطع البلغم، كالذي يفعل بها جميعا.
الأطعمة الغليظة
الغالب على الأطعمة الغليظة كلها اليبس واللزوجة. فمنها شيء يكون اليبس واللزوجة من طبعه. ومنها ما يكتسب اليبس من غيره. فالذي يكون اليبس من طبعه العدس، ولحم الأرانب، والبلوط، والشاه بلوط، والكمأة، والباقلي المقلو. هذه كلها غليظة، لأن اليبس في طبائعها. وأما الذي يكتسب اليبس من غيره فالكبود والبيض المسلوق والمشوي وما قلي منه، واللبن المطبوخ طبخا كثيرا، والضروع، وعصير العنب المطبوخ، لا سيما إن كان العصير غليظا. فهذه كلها غليظة، لأن الحرارة بالطبخ أحدثت لها يبسا وانعقادا. وأما لحوم الإبل، ولحوم التيوس، ولحوم البقر، والكروش والأمعاء، فإنها غليظة بصلابتها. وكذلك الترمس، وثمر الصنوبر، والسلجم، واللوبيا، وما خبز على الفرن، فإن ظاهره غليظ لما أحدثت له النار من اليبس، وباطنه غليظ لما فيه من اللزوجة. وكذلك كل ما لم يجود عجنه أو خبزه أو إنضاجه من خبز التنور، وكل ما خبز على الطابق بدهن أو غيره، والسمن والفطر والشهد واللبن والأدمغة، فإنها كلها غليظة للزوجة فيها طبيعية. وأما الفالوذج فإنه غليظ للزوجته، والانعقاد الحادث له من الطبخ. وأما الباذنجان فإنه غليظ لليبس وللزوجة في طبعه. وأما الخبز فإنه غليظ لاجتماع الحالات الثلاث فيه. فأما السمك الصلب اللزج فإنهغليظ، لاجتماع الصلابة واللزوجة فيه. وأما الآذان والشفاه وأطراف العضل، فإنها تولد كيموسا لزجا ليس بالغليظ، وقد تولد ما يعرض من الأغذية الباردة عن هضمها وتلطيفها، كالذي يعرض من أكل الفاكهة قبل نضجها، ومن أكل الخيار والقثاء، وشحم الأترج واللبن الحامض. فهذه الأطعمة الغليظة كلها إن صادفت بدنا حارا كثير التعب قليل الطعام كثير النوم بعد الطعام، انهضمت وغذت البدن غذاء كثيرا نافعا، وقوته تقوية كثيرة. وأحمد ما تستعمل هذه الأغذية في الشتاء، لاجتماع الحرارة في باطن البدن وطول النوم، ومتى أحس أحد في بدنه نقصانا بينا. وإن أكلها من يجد الحرارة في بدنه قليلة ولا سيما في معدته، وتعبه قليل، ونومه بعد الطعام قليل، لم يستحكم انهضامها، وتولد منها في البدن كيموس غليظ حار يابس يتولد منه سدد في الكبد والطحال. فلذلك ينبغي لمن أكل طعاما غليظا من غير حاجة إليه لعلة أو شهوة أن يقل منه ولا يفرده، ولا يدمنه. وما كان من الأطعمة الغليظة له مع غلظه لزوجة فهو أغذاها للبدن، فإن لم تنهضم فهو أكثرها توليدا للسدد.
الأطعمة المتوسطة
المتوسطة بين الغلظة واللطيفة، تصلح لمن كان بدنه معتدلا صحيحا، ولم يكن تعبه كثيرا. وأجود الأغذية له المتوسط، لأنها لا تنهكه ولا تضعفه كاللطيفة، ولا تولد خاما ولا سددا كالغليظة، وهي كل ما أحكم صنعه من الخبز، ولحوم البقر، والدجاج، والجداء، والحولية من الماعز. وأما لحوم الخرفان والضأن كلها فرطبة لزجة. وأما لحم فراخ الحمام والقطا فهي تولد دما سخنا، وأغلظ من الدم المعتدل. وأما فراخ الوراشين فإنها مثل فراخ الحمام والقطا والإوز، فأجنحتها معتدلة، وسائر البدن كثير الفضول.
وكل ما كثرت حركته من الطير وكان مرعاه في موضع جيد الغذاء، صافي الهواء، كان أجود غذاء وألطف. وكل ما كان على خلاف ذلك فهو أردأ غذاء وأوسخ.
وكل ما لم يستحكم نضجه من البيض، وخاصة ما ألقي على الماء الحر، وأخذ من قبل أن يشتد، فهو معتدل. وكل ما كان من لحم السمك ليس بصلب ولا كثير اللزوجة والزهومة، وكان مرعاه ماء نقيا من الأوساخ والحمأة فهو معتدل جيد الغذاء.
ومن الفواكه التين والعنب، إذا استحكم نضجهما على الشجر وأسرعت الانحدار إلى الجوف، كان ما يتولد منها معتدلا، فإن لم تسرع الانحدار فلا خير فيها.
ومن البقول الهندبا، والخس، والهليون.
(3/11)
ومن الأشربة ما كان لونه ياقوتيا صافيا، ولم يكن عتيقا جدا.
الأطعمة الحارة
يحتاج إليها من كان الغالب عليه البرودة، وفي الأوقات الباردة والبلاد الباردة. وينبغي أن يجتنبها من كان حار البدن، وفي الأوقات الحارة، وفي البلاد الحارة. منها الحنطة المطبوخة، والخبز المتخذ من الحنطة، والحمص، والحلبة، والسمسم، والشهدانج، والعنب الحلو، والكرفس، والجرجير، والفجل، والسلجم، والخردل، والثوم، والبصل، والكراث، والخمر العتيق. وأسخن الأشربة الحارة العتيق الأصفر.
الأطعمة الباردة
ينبغي أن يستعملها من كان حار البدن، وفي الأوقات الحارة، والبلد الحار. وهي الشعير وكل ما يتخذ منه، والجاورس، والدخن، والقرع، والبطيخ، والخيار، والقثاء، والإجاص، والخوخ، والجمار، وما بين الحموضة والعفوصة، من العنب والزبيب، والطلع، والبلح، والخس والهندبا، والبقلة الحمقاء، والخشخاش، والتفاح، والكمثرى، والرمان. فما كان من الرمان عفصا فهو بارد غليظ، وما كان حامضا فهو بارد لطيف. فأما الخل فهو بارد لطيف، وهو ضار بالعصب. وما كان أيضا من الشراب عفصا هو أقل حرارة، وما كان من ذلك حديثا غليظا فهو بارد.
الأطعمة اليابسة
يحتاج إلى الأطعمة اليابسة من كان الغالب على بدنه الرطوبة، وفي الأوقات الرطبة، وللبلد الرطب. منها العدس، والكرنب، والسويق، وكل ما يشوى ويطبخ ويقلى، وكل ما أكثر فيه السذاب والمري والخل والأبزار والخردل، ولحم المسن من جميع الحيوان.
الأطعمة الرطبة
يحتاج إلى الأطعمة الرطبة من أفرط عليه اليبس، وفي الأوقات اليابسة والبلد اليابس. وهي: الشعير، والقرع، والبطيخ، والقثاء، والخيار، والجوز الرطب، والعنب، والنبق، والإجاص، والتوت، والجمار، والخس، والبقلة اليمانية، والقطف، والباقلاء الرطب، والحمص الرطب، واللوبيا الرطبة، وكل ما يطبخ بالماء ويسلق به وثقل فيه الأبزار والخل والمري والسذاب، وجيمع لحوم صغار الحيوان.
الأطعمة القليلة الفضول
أجنحة الطيور، وأكارع المواشي، ورقابها، وما يربى في البر من الحيوان في المواضع الجافة.
الأطعمة الكثيرة الفضول
منها لحم الأوز خلا الأجنحة، والأكباد كلها من جميع الحيوان، والنخاع والدماغ، والطيور التي في الفيافي والآجام، والحمص الطري، والباقلاء الطري ولحم الضأن، ولحم المراضع من كل الحيوان، ولحم كل ساكن غير سريع النهوض، وما كان من السمك على ما ذكرنا صلبا لرجا.
الأطعمة التي غذاؤها كثير
كل ما غلظ من الأطعمة إذا نهضم غذى غذاء كثيرا. وكل ما كان له فضول كان غذاؤه كثيرا.
وقد يحتاج إلى الأطعمة الكثيرة الغذاء من احتاج إلى أن يأخذ طعاما قليلا يغذي غذاء كثيرا، كالناقة والمسافر، وكالذي يثقل معدته الكثير من الطعام وبدنه يحتاج إلى عذاء كثير.
فمن ذلك لحم البقر، والأدمغة، والأفئدة، وحواصل الطير كلها، والسمك الغليظ اللوح، والسميد والباقلاء، والحمص، واللوبيا، والترمس، والعدس، والتمر، والبلوط، والشاه بلوط، والسلجم، تغذو غذاء كثيرا لغلظها. واللبن الحليب والشراب الأحمر. وغذاء اللبن كله أغلظه وأرقه، ل غذاء. وأغلظ اللبن لبن البقر ولبن النعاج، وأرقه لبن الأتن وألبان اللقاح. وألبان الماعز متوسطة بين ذلك.
وأغذى الأشربة النبيذ الغليظ الحلو، ثم الغليظ الأسود الحلو، ثم الغليظ الأبيض الحلو، ثم من بعد هذه الأشربة العفصة الحلوة. وكلما مال إلى الحمرة والحلاوة كان أغذى. والأبيض أقلها غذاء.
الأطعمة التي غذاؤها قليل
كل ما كان من الأطعمة لطيفا كان غذاؤه قليلا، وكل ما أفرط فيه اليبس أو الرطوبة، أو كثرة الفضل قل غذاؤه، كالأكارع، والكروش، والمصارين، والشحم، والآذان، والرئة، ولحم الطير كله. وما ملح من الحيوان قليل الغذاء، لليبس الذي فيه. وكذلك الزيتون، والفستق، والجوز، واللوز، والبندق، والغبيرا والزعرور، والخروب، والبطم، والكمثرى العفص، والزبيب العفص، فإنما قل غذاؤه للعفوصة.
وأما السمك والقرع، والرمان والتوت، والإجاص والمشمش، فإنما قل غذاؤها لكثرة رطوبيتها. وغذؤها غير باق سريع التحلل.